انهم يعيدون إغتيال عرار

انهم يعيدون إغتيال عرار

 
من الطبيعي ان تكون زيارة متحف عرار على راس اولوياتي عند زيارتي لاربد، ورغم ندرة زياراتي الطويلة للمدينة، الا انني في كل مرة ازور المتحف فيها، اتعرض الى .. ماذا اقول صدمة، قهر، الم، اختاروا اي مفردة تفيد باقصى درجات الغضب والالم والقهر
في ذات زيارة بعيدة وعند بداية افتتاح المتحف زرته بصحبة زملاء من الصحفيين السويدين وكنت طول الطريق الى اربد اشعر بالفخر نتيجة اشادة الزملاء الاغراب بخطوة تحويل بيت العائلة ( بيت جدي صالح المصطفى) الى متحف باسم عرار، وقد شهد هذا البيت المبني على خليط من الطرازين الدمشقي والفلاحي الاربداوي، ولادته وردحا من حياته فضلا عن ولادة بقية اولاده وعددا من احفاده ومن بينهم انا…..
دلفت برفقة الزملاء وشعور الفخر لا يبارحني بسبب العمل الفريد الذي انجزه اولاد العمومة بترميم البيت واعادته الى صورته ايام عزه، بعد نقل ضريح الراحل الكبير الى صدر البيت، لاصدم بمنظر الموظف الذي كان يجلس منجعيا مادا قدميه على الضريح تبرز اصابع قدمه من ثقوب جواربه، وعلى الضريح ابريق شاي مشحبر واكواب شاي يبدو انها لم تغسل منذ سنة على الاقل، لم اعرف كيف اتصرف اذاء هذا المشهد، وبماذا افسره لضيوفي الاجانب، ووسط ارتباكي انهال على الموظف الذي انزعج من كسر قيلولته، بالاسئلة عن هويتي وهوية الاجانب الذين يرافقوني، وما اذا قد طلبت تصريح من الوزارة لهذه الزيارة، لا اذكر بماذا اجبته، ولكم ان تتخيلو حالتي، لكني اذكر انني اقمت القيامة في الوزارة وكنت لا ازال اعمل فيها….
الزيارة التالية وكانت بعد ان تم تحويل البيت الى مقر لمديرية ثقافة اربد، يعني مكان مكتظ بالمكاتب والموظفين الذين يقضون اوقاتهم بقراءة الجرائد والتثاؤب، ولم اكن اعلم بالامر، في مدخل البيت فوجئت بمنظر شجرة التوت وقد عريت من اغصانها بما فيهم فرع كبير كان يحفظ توازنها، وعندما اقتربت من الغرفة الاولى فوجئت بمن يصرخ بي ( هيي انت شو بتساوي هون؟) نعم انا شو بسوي هون؟ انا في بيت جدي الذي ولدت وعشت به، فضلا عن انني في رحاب عرار وعالمه الذي وسع كل الامه، لم اعلق ولم ارد على تساؤلات الموظف الثقافي المهذب الذي لم تسعفه ثقافته الواسعة الا بالصياح على كواحدة من حريمه ….
اكملت جولتي بين نظرات الموظفين الفضولية، وكنت حريصة على دخول كل الغرف وفتح كل الابواب التي لم اجد فيها سوى مكاتب ومستودعات، وخرجت والدموع تخنقني…..
اما زيارتي الاخيره فهي تحفة التحف، ببساطه لا يوجد شي اسمه متحف عرار، في صدر البيت، الضريح يرقد مكانه لكنه معتقل، فقد نصبوا سورا بين الضريح والمكان يخلو من اي قيمة جمالية، ول ياعمي اعتقلوك ونفوك بحياتك، وهاهم يعتقلونك في مماتك، يبدو انهم رغبوا بنفي ضريحك، ربما ستكون الخطوة التالية….
على جانب الضريح في الجهة اليمنى للداخل غرفة كتب علبها غرفة الصور، تمام هنا يبدا المتحف الغرفة الواسعة فارغة الا من مكتب مدهون بدهان اسود رديء، كتب عليه ( مكتب عرار) وعدد من الصور المغلفة بالجلاتين الذي نستعمله لتجيلد دفاتر الصغار مرصوصة في صناديق زجاجية لا تمت للخزائن المتحفية بصلة، كما ان معظم الصور لا تمت لعرار بصله….
لا باس لنكتشف بقية الغرف، الغرفة على يسار الضريح، مغلقة اكتشفت فيما بعد انها شبه مستودع لاغراض سيدة تقوم بالتدريب على اعمال قالوا انها فنية ولم اعرف ماهية هذا الفن…
الاجمل كان بيت المونة الذي كان يعج بكواير الخير والنمليات وطناجر النحاس وبابور الكاز الذي لا انسى صوته، تحول بقدرة قادر الى مطبخ حديث بجدران غطيت بالسراميك والخزائن البيضاء ( ياحوينة تعبك يامهندس رائد والله يرحمك يا دكتور محمد ابو الجاسم تعالوا شوفوا تعبكم) بقية الغرف مستودعات و مكاتب لموظفات بائسات لا يملكن من امرهن شيئا باستثناء سجادة الصلاة وشبب الوضوء….
وتبقى المفاجئة الاكثر من جميلة، نصب رخامي يقع في مكان لا هو في وسط الفناء ولا هو على جانبة كتب عليه عرار ومغطى ببساط ، ظننت في البداية انهم وضعوا البساط ليجف في الشمس… لكني عرفت انهم وضعوا البساط انتظارا لاحتفاليّة خاصة بافتتاح النصب، لم افهم الحكمة من النصب الرخامي، الذي لايمت للمكان بصلة جمالية اوهندسية، ولم افهم معنى احتفالية خاصة للافتتاح النصب، ومن سيقوم بهذا الافتتاح الخطير…
لا يقف اهمال السادة في وزارة الثقافة عند هذا الحد، فتجاهل عرار في فعاليات اربد عاصمة للثقافة العربية، وفي غيرها من الفعاليات وعدم اعتراف الوزارة بالصفحة الالكترونية الخاصة بالمتحف كصفحة رسمية، واعتباره ركنا هامشيا من اركان الوزارة له موظف برتبة مشرف، لايمون الا على توقيع صفحة الحضور والغياب، وخطأ المعلومات الواردة على لوحات باللغة العربية فقط وليس بالغتين العربية والانجليزية اسوة بكل اللوحات التعريفية للمرافق الثقافية والاثرية، وعدم وجود اي مطوية او مطبوعه خاصة تعرف الزائرين بصاحب المتحف وتاريخه وعدم تخصيص موازنه خاصة للمتحف وغير ذلك الكثير….
يعني… لاكن صادقة الاستقبال البشوش للسيدة فاطمة صباحين مشرفة المتحف، وحديثها الذي لا يخلو من امل في تحسين وضع المتحف تحويله الى متحف حقيقي ، خفف من حجم غضبي الذي كنت ساصبه على راسها وعلى راس المعنيين….
لانتهي الى القول اخجلوا، عيب عليكم، عرار كونه عمي الذي احب واعشق واستلهم، لا يعني انه ملكي او ملك آل التل اوحتى ملك الاردنيين، فعرار الذي اعلنته المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم الشخصية الثقافية لعام 2022 هو شخصية عربية، تفخر به الامة العربية برمتها، ويفخر به الشعر العربي بتاريخه الطويل
وحتى لا اظل في اطار السلبية والنقد، ساقدم هذه المقترحات الاساسية للعودة بالمشروع الى اصله كما وضعه المرحوم سلطي التل شقيق عرار وعلى اساسه، اقنع شقيقاته بالتخلي عن منزل والدهن بعد ان بادر هو بالتبرع بحصته في بيت العائلة، الى متحف حقيقي…..
1- اناشد المعنيين من العائلة وبخاصة ابن العم مصطفى التل الوصي على الوقف سحب الوقف من وزارة الثقافة التي اثبتت خلال اكثر من عقدين ان بقاء البيت والمتحف تحت اشرافها، هو اكبر اساءة لعرار وتاريخه وقيمة، فحجم الاستهتار والاستغلال والاهمال وسوء الادارة، التي مارسته الوزارة على هذا المرفق الثقافي المهم لتاريخ الاردن الثقافي، لا يوصف وحجم اضرارة تفوق بكثير حجم منافعة، وهذا الكلام ينطبق على متحف الشهيد وصفي التل ولنا في هذا الموضوع كلام تال….
2- المبادرة الى تاسيس جمعية ثقافية باسم جمعية الحفاظ على التراث الثقافي والسياسي الاردني، تضم عدد من المثقفين المخلصين والمنتمين والمشهود لهم بنظافة الكف والتاريخ، من ادباء وشعراء واكادميين وغيرهم تتولى رعاية متحف عرار غيره من المرافق المتحفيّة وتاسيس متاحف لغير عرار من الرموز القافية والسياسية ( غالب هلسا واديب عباسي وغيرهم) ساقدم مقترحا للمشروع اذا ما تم قبوله من الوصي على الوقف وعدد من المعنين….
وانتهي الى مخاطبة مصطفى التل الوصي على الوقف والغيورين من ال التل ومثقفي اربد، بالقول ان الصمت على هذا الوضع مساهمة حقيقية في اعادة اغتيال عرار بعد اكثر من من سبعين سنه على انتحاره.

اكتب تعليقك