ثقافة المقهى

ثقافة المقهى

 

علمتني بيروت ان الجلوس في المقهى ليس مجرد تضييع وقت، منها عرفت ان المقاهي مدارس للفكر والادب والفن والسياسة،  وكلنا يذكر تاريخ مقاهيها قبل وخلال الحرب، اذكر مقهى الهورس شو وكنت في اول طريق الصحافة، كان مقصدا لرجال ونساء الادب والفن والسياسية، وعلى جدرانه تعلق اخر واجمل اللوحات الفنية لفنانيين كبار،  تجتمع كل مجموعة حول طاولة لتناقش كل شي يهمها ومن خلال هذه النقاشات خرجت اجمل الاعمال الابداعية، وعندما تنتهي الجسلة النهاريّة في الهورس شو، يتم الانتقال الى مقهى الدولتشي فيتا على شاطىء الروشة، كان الرواد اصدقاء ومعارف يتفقدون بعضهم اذا غاب احدهم، بغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق، ومن هناك تعلمت الكثير، ومع تخريب المدينة ومحاولة اقتلاع تاريخها الثقافي الوطني، تم تخريب المقاهي الرموز، فتحول الهورس شو الى محل احذية بذات الاسم، وأغلقت الدولتشي فيتا ومازالت ، لكن ثقافة المقهى لم تندثر تحولت النخب الى اكثر من مقهى في شارع الحمراء وعلى شاطيء الروشة، وبقي المقهى ليقوم بدورة الثقافي….

عندما عدت الى عمان في منتصف الثمانينيات حاولت ان اجد المقهى الثقافي او مقهى المثقفين، ولم اجد، بحثت في تاريخ عمان ومقاهيها عرفت مقهى حمدان الذي كان يضم بين جنباته اجتماعات نخب المعارضة السياسية من جماعة حركة المؤتمر الوطني الاول، ومن بينهم عرار، وعرفت ايضا عن مقهى المغربي في مدينة السلط الذي كان تجمعا لرجال المعارضة السياسية ايضا،  اما النخبة الحاكمة فكانت تلتقي في ردهات فندق فلالدليفيا اول فندق في عمان

تتبعت تاريخ المقاهي في عمان ووصلت الى مرحلة الستينيات والسبعينيات حيث مقهى الشهرزاد ومن ابرز مرتاديه تيسير سبول وغيره من مثقفي وسياسي المرحلة، لتتوزع بعد ذلك التاريخ النخب ان جاز التعبير على عدة مقاهي وفنادق غرب العاصمة*، التي شهدت فورة غير طبيعية في الفنادق والمقاهي، لكنها فورة بلا طعم ولا ملامح، امكنة يلتقي فيها الناس لتدخين الارجيلة والبحلقة في اجهزة الهاتف النقال، وفي بعضها لعب الورق والطاولة، بلا رابط ولا جامع بينهم، وكل طاولة عبارة عن جزيرة معزولة عن الأخرى، لا يجمعها جامع غير تثاؤب اوقات فراغ، اعرف ان بعض المجموعات الثقافية ولا اقول شلل، تجتمع هنا او هناك، لكن الحقيقة ان عمان ومنذ السبعينيات وكما فقدت هويتها المعمارية، فقدت مقاهيها ومثقفيها…