
تحياتي ايها الاسمر ( المكشر) الجميل
هل هي صدفة ان يصادف ميلادك يوم ميلاد السيد المسيح، بما لهذا اليوم- ميلاد المسيح- من معاني جليلة، ففي مثل هذا اليوم، قبل اكثر من الفي سنة، ولدت بشارة الانسانية، والوعد بخلاصها بالمحبة، وفي مثل هذا اليوم قبل اكثر من تسعين سنة، ولدت انت، فكُنت البشارة لوالديك واخواتك، وكان في ميلادك الفرح والمحبة، ووعد بالأجمل لابوين عجوزين انتظراك طويلا….ضربت الكنيسة اجراسها، واذن المؤذن، ليعلنا معا، ومن على تل اربد، ميلاد فرح الانسانية، وميلاد فرح اسرتك….
كثيرا ما كنت اتسائل هل لعبت صدفة الميلاد هذه دورا في كينونة شخصيتك؟ فهذه المحبة العارمة لكل ما يحيط بك، هذا التعاطف مع المظلومين، وعملك الصامت لرفع الاذى كلما استطعت، التزامك بالاشتراكية كنظام عدالة ومساواة بين البشر، هل هي اختيارات عقلانية مجردة، ام انها جزء من معجزة الميلاد، أقول لك بصراحة، اظن انها مزيج سحري من الامرين معا، فطريق المعرفة العلمية الذي سلكته، وما يجيش في جوانيتك من مشاعر اجتمعا معا، فعقلنت المشاعر وأنسنت العقل……
الآن كيف هي امي، هل التقيت بها، فقد لحقت بك قبل اشهر قليلة، وكانت ستشارف على التسعين، هل التقيت بعرار، لا بد انك فعلت، فانا اعرف حجم اشواقك وحنينك له، وعمو اسد، وغالب هلسا، قلت يوما انك ستناقشة في بعض ما كتب، كذلك كنت ستفعل مع معين بسيسو اصدقاءك من ايام الجامعة…
السؤال الاساسي الذي اطرحة عليك الآن، هل قرات لهم من شِعرك، اجزم ان امي ستعاتبك – كما كانت تفعل في حياتك- على اخفاء شعرك، وأنت ستقرأ من ديوانك (صبايا) الذي اهديته لها، وكانك تقول: لا يغرنك كل هذا الغزل، فهو شِعر بالجمال وللجمال، وانت ياحبيبتي اصل الجمال….
لا اعرف ما سيقول عرار، لكني اتوقع ان يؤنبك، وانتما تحتسيان العرق، وربما الكونياك، نعم الكونياك فعمي يحب الكونياك اكثر، واتوقع ان يشاركما الهبر وسعيد باشا الجلسة وستطربون لصوت هنيّة، واظن انكما ستضمان الى هذه الجلسة عمو اسد و معين وغالب، وبالتاكيد ستدعو ايضا بقية الاصدقاء من الشعراء الذين التحقوا بك، عبد الرزاق عبد الواحد، وممدوح عدوان و عبد الوهاب البياتي، هل تذكر جلستنا الرائعة في عجلون، يومها حلق الشعر في السماء، وبقيت انت مضيفا مهذبا تستمع بالجمال على طريقتك،
اتوقع الآن كوكبة الشعراء هذه في ضيافة عرار، الذي سيدير الكؤوس وصحن التفاح المنقوع بالكونياك وسيهتف اشربوا يا(عكاريت) بينما يشد الهبر وتر ربابته، وتتهيا هنيّة للرقص…..
لنعد الى موضوعنا، الي شعرك، تعلم انني بدات العمل الجاد، وانني انجزت الكثير على صعيد القصائد وغيرها، وكل ذلك مهم، لكن الاهم بالنسبة لي، مجموعة اوراق بخط يدك اسميتها انا ( اوراق مبعثرة) نعم هي اوراق مبعثرة، لكنها ايها (المكشر) الجميل، خلاصة روحك، فهل هذا ما كنت تريد ان تخفيه عني ، ولماذا؟ ….
انت تعرف انه من من الطبيعي أن ترسم الإبنة البكر المدللة والمُحبّة، صورة معينة لوالدها، تمزج فيها بين الحقيقي، وما تريد هي ان تراه، لكني رسمتك كما كنت بالفعل، والدا محبا معطاءا مضحيا، ومناضلا وشاعرا، تحمل ما تحمل من جنون المبدع وتناقضاته،وان كنت لم ارى على نحو مباشر بعض هذا الجنون، لكني لمسته بروحك التائقة الى التمرد دوما، بتسمية نفسك (عرارالصغير) بتوقك الدائم الى مجتمع لا تحده حدود، ومحاولة معايشته في مجتمع النور، كما فعل معلمك عرار، وان كنت اكثر حذرا منه، فهل كنت تخشى ان تكشف كتاباتك، هذا الجنوح، فتخدش صورتك عندي …. ؟ أقول لك الان، وبعد تمعنت في هذه الاوراق، انك كما انت، لابل زادتني هذه الكتابات قناعة باصالتك وصدقك، في ما كنت تفعله، وتكتبه، فهذه الرؤية العميقة للحب، والعلاقات الانسانية، والمرأة، والجمال، والحرية، التي تضمنتها اوراقك المبعثرة، التي اخفيتها عني، هي خلاصة روحك التي احببتها، رغما عن كل محاولات التجهم، ولم تنتبه انك تترجمها في يومياتك، بطرق شتى لتصلنا محبة باجلى صورها ….
وبمناسبة الحديث عن اوراقك، ولنضحك قليلا، هل تذكر لعبة التسلل الى مكتبك، كنت استمر ب (البحبشة) في اوراقك الظاهرة، وحجتي عندما تلقي القبض عليَ متلبسة بقراءة قصيدة، انني انظف غبار المكتبة، كنت تهتف متجهما ( اتركي اوراقي، وعندما اموت، هي لك، افعلي بها ما تشائين) لنعود الى دورة نقاش اخرى في اهمية شعرك وضرورة نشره….
تَذكر عندما اردت إحراجك، فكتبت في زاويتي في جريدة الاخبار ( سلطتي التل شاعرا) عاتبتك فيها على إخفاء شعرك، وإنكار شاعريتك، وطالبتك على الملأ بنشر شعرك، وأنني استعنت بمثل شعبي( فرخ يزق عتيق) وكاني اخبرك باني ساظل (فرخا) أمامك، وان حاولت (زقه) فسيظل هو (العتيق) بالشعر والسياسة والأبوة الجميلة….
اذكر انا الآن، كيف استلمت الرسالة، فاستقبلتني ضاحكا ذلك اليوم، مرددا (فرخ يزق عتيق؟)، وبعدها نشرت قصيدة بعنوان (ايقاعات في حلم المتمني) وانك اهديتها لي بقولك : ( الى ابنتي سهير التي وصفتني بالعتيق ووصفت نفسها بالفرخ عندما كَتَبت: فرخ يزق عتيق)، وانك نشرتها بجريدة (الرأي) واسعة الانتشار، وليس في جريدة (الأخبار) المتواضعة، حيث أعمل، وفي ذلك رساله ضمنية، فهمتها وسكتت على مضض….
اقرا الآن من قصيدتك :
اقف على شاطىء البحر، اراقب موجا، يلثم رمل الشواطىء، يداعب وجه الموانيء
اقول: بضوء القمر….لدى البحر، في هجمة الليل ، مد وجزر
وها انا اكتب ( عتيق يزق بفرخ)
ونور بصيص ضئيل، وحلم الرجال
وفي الحلم أُنشد : المد والموج…. والسيل والنهر…وجه جميل لعشق أصيل
وفي الحلم أَفرح/ وفيه أرى
عروس الصبايا تزف لفارس كنعان / ترقص
بهزج حلمي اقول: هذا زمان التئام الجروح… واسمع حلمي يناجي الموانيء….يصرّح بنور جديد
…..
اقول: صدقت…. صدقت
أردد: قلت فرخا يزق عتيق
ولنَسر انا… انتِ… والكل في نفس الطريق
ولنقاتل ضد تزييف السلام
بالقراطيس، وقلم الحبر الدامي، ورايات الحروف، والكلام،
رغم انصار الظلام
ليصير الحلم هامات حقيقية
ولنكن نحن على الدرب …. طريقة
حبيبي بابا ايها الاسمر (المكشر) الجميل
اليوم تبلغ الثانية والتسعين وكنت اتمنى ان تبقى بيننا انت و امي، لنتحتفل معا، لكنكما رحلتما، ولم تغيبا، وهاهي اوراقك تذكرني يوميا بك وبامي، لاقول لكما بهذه المناسبة، انني حفظت ما اوصيتني به من خلال ابيات هذه القصيدة، في حياتك وحتى اليوم، فقلمي مازال داميا، حرا، أرفع راية الحرف، رغم أنصار الظلام، وانا معك وبك ما زلت على الدرب….
فإلى أن نلتقي تحياتي