شأن شخصي في بلد المليون اعلامي وخبير

شأن شخصي في بلد المليون اعلامي وخبير

 
عندما كنت احبو في عالم الصحافة، كنت حريصة على حضور غالبية اللقاءات والمحاضرات التي يقدمها اساتذة كبار في هذا العالم، اذكر منهم الشهيد غسان كنفاني في مجلة الهدف، الذي لم يكن مدرسة في النضال فقط، بل كان مدرسة في تقنيات الكتابة على تنوعها كما كان مدرسة في الاخلاق، اذكر ايضا الاستاذ غسان تويني في جريدة النهار والاستاذ سليم اللوزي في مجلة الحوادث فضلا عن الاستاذ محمد كعوش رحمهم الله، اذكر الدرس الاهم في اخلاقيات العمل الصحفي الرصين، ان الحياة الشخصية ليست خبرا وليست اداة للصراع مهما كان نوعه وبلغت حدته، حقيقة كانت هناك صحافة ترفيه تتعلق بالفن والفنانين واحيانا تتناول حيواتهم الشخصية لكن الامر لم يخرج عن هذا الاطار المحدود….
عدت الى الاردن بعد ان قطعت شوطا في العمل الصحفي خارجه، عدت بحمل كبير من التجربة وتعاليم الاساتذة الكبار، واقول الحق ان الفترة التي عملت بها في الصحافة الاردنية وهي تقارب العقدين لم تشكل الاخبار الشخصية للوسط الصحفي خبرا، ربما في حالات نادرة كالقتل او الانتحار كانت ترد كخبر صغير في زاوية الحوادث وبدون ذكر اسماء، والحقيقة انني كنت محظوظة بمعظم من عملت معهم في الصحف الاردنية اللذين تحلوا بمهنية واخلاق عاليه، الا ان الحياة الشخصية كسلاح، تبرز بقوة عند الصراعات النقابية او السياسية، ، فتلوك الالسن الحقيقي والمتخيل من حياة فلان او علان وينتهي الامر عند نتهاء الصراع ويا دار ما دخلك شر، وهذا كان وسيظل مرفوضا بكل الاحوال …
اليوم ومع حالة الفوضى الاخلاقيّة وفوضى وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، صارت الحياة الشخصية للافراد هي الاخبار، وهي منتشرة في المواقع الاخبارية الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، عندها ينقلب الشعب كل الشعب الى اعلاميين ومحللين اجتماعين وخبراء في علم الجريمة والنفس وكل مايلزم وما لايلزم الامر، الذي صار ابشع من البشاعة، واقول الحق صرت اقلق عن فتح رسائل الواتس او الفيس و بعض المواقع الاخبارية مما سينهال على من رسائل من اشخاص لا اعرف معظهم، والاسؤا عندما ترافق القصة فيديوهات تصور الحدث
الحقيقة استغرب من هذه المجموعات المصابة بهوَس الحياة الشخصيّة، ان من بينها من يرفض وضع اسم ابنته على بطاقة دعوة عرسها او خطبتها يستبدله بعبارة (كريمته) او (اميرته) وغيرها، المهم ان لايذكر اسم ابنته، والذي اذا ذكر اسم امه على الملأ اقام القيامة ولا يقعدها، والذي اذا سئل عن بيته يجيب ( العيلة) (ام الولاد) ومنهم من لا يمانع بوصف زوجته ب( الحرمة) هذه المجموعات المصابة بفصام غريب وحاد هي ذاتها التي تتداول اخبار الحياة الشخصيّة والفيديوهات الخاصة والتي تتحول الى مصدر اخبار وتحليلات وتفسيرات واشاعات لها اول وليس لها اخر…
ما اذكره ليس بجديد ولاحظه كثر غيري، لكن السؤال لماذا هذا الهوَس بكل ماهو خاص وشخصي بحياة الناس، وما الفائدة او حالة الاشباع المعرفي الذي يحققه الشخص الذي يستقبل ويرسل هذه الاخبار؟، ماهي درجة الخواء التي يعيشها هؤلاء مع ان حياتهم عامرة بكل ما هو مهم من سوء الاحوال المعيشية، حتى الجوع، وغياب الحريات الحقيقية،حتى الانسحاق، الذي تمارسه السلطات على الجميع بدون استثناء؟ اتساءل كيف يمكن لشخص يعاني من القهر والبطالة والجوع كيف يستبدل رغيف الخبز ببطاقة هاتف وحزمة انترنيت ليتمكن من تلقي وارسال هكذا رسائل، غير مهتم بآلام الناس وقدسيّة خصوصايتهم، كانوا من كانوا
اسئلة كثيرة ومهمة تثيرها هذه الظاهرة المقلقة، ارجو ان تجد اجاباتها لدى المختصين وليس جيش المحللين والخبراء في بلد المليون خبير.