من حكاياتي: عمو أسد

من حكاياتي: عمو أسد

 

عندما قرع باب بيت أبي ذات صباح صيفي، لم أعرف الرجل فارع الطول بهي الطلعة، لكن قلبي خفق بشدة، عندها هتف الخال عز الدين، (ولك عمك أسد قاسم)، بدون شعور رميت نفسي عليه، عانقته بقوة، وقد عدت بثوان الى تلك الطفلة الصغيرة التي تفرح بزيارته سواء في بيتنا في إربد قبل اللجوء، أو بيتنا في دمشق بعد اللجوء، أذكر كيف بكيت بقوة عندما علمت أنه غادر للمجر، وغاب عمو أسد كما غاب كثر غيره

في عمان تركته للقاء حار بوالدي صديق عمره ووالدتي رفيقة الشيوعيين، وبقيت اتأمله، تحدث كثيرا عن سفره وزواجه ورغبته بالعودة الى إربد، المدينة التي أحبها وناضل من أجلها، وهو القادم مع أسرته من (غربا) رحلة لجوء واسعة من فلسطين بعد إحتلال بلدته، الى جنوب لبنان الى سوريا ومنها الى إربد، ثم رحلة لجوء عكسي قادته للإستقرار في المجر ثم العودة الى إربد …..

إختطفته من الأهل  وتعهدت له بجولة على عمان، كان مستغربا، لم تكن تلك عمان التي يعرفها، تجولنا طويلا وحكا لي الكثير، بعد ذلك أصبحت زيارته في إربد واجبا، كنت احب شِعره وشَعره الفضي، فيضحك على وهو يذكرني بقصصي الطفوليه، وانا ألح على المزيد من الشعر، وعلى المزيد من ذكرياته مع عرار، وكان يصر أنه عرفه صغيرا، وكان على مشارف الوعي، حتى توفي عرار وهو لم ينهل من معينه ما يكفي الدروس، لكنه يصر على إستمرار عرار في وجدانه ضميرا شعريا ووطنيا……

كنت أشعر بتزايد تعبه، ورنة حزن غير معهودة بصوته القوي، وعندما أسألة يلتزم الصمت ولا يبوح،  لكني أطمئن نفسي بأنه بأيد أمينة مع الأصدقاء، ولم أتوقع للحظة، ولم أفكر للحظة حتى، باقترابه الحثيث من الغياب، فعمو أسد وإن غاب، فهو في مكان ما يكتب الشعر، ويناكف بالسياسة، لم يتخل عن شيوعيته رغم كل التحولات، ولم يفقد أمله بالعودة، وإن كان لا يعّول كثيرا على ما تبقى من منظمة التحرير، ظل ينفعل ويعصب كما هو دائما، لكنه يتحول الى طفل عندما يصير الحديث، حديث ذكريات، كتب الكثير من الشعر معظمه مع أسرته في المجر، وما كتبه هنا لا أعرف مصيره، لم أفكر بأنه سيرحل هكذا بلا استئذان، فلم أفكر بجمع قصائدة،  لم أظن أن طريقة رحيلة ستكون  مأساوية كحياته، رحل فجأة وحيدا دون رفقة، فلا انا كنت، ولا الأصدقاء كانو، ولا الأهل، وحيدا رحل، وحيدا واجه موته، وتركني رهينة الاسئلة الصعبة، هل تألم؟ من إفتقد في تلك اللحظة الفارقة؟ وعلى من نادى؟  لكني على يقين بأنه واجه موته بشجاعة وقوة كما هو دائما….

من أرشيفي قصيدة بخط يده،  كتبها في ذكرى مئوية عرار ومنها:

عبق المكان يردني ويشدني …..لجموح عشريني وربق مداري

فتشع ذكرى في الضمير تعتقت ….. كالخمر تسكب بعد طول إسار

وتبوح مثل حمامة بهديلها………بنزار ما كنزت من الأخبار

عن موغل في عشق أرض نهرها……باق باخوته من الأنهار

صافحت فيه غدي وما زالت يدي ……تزهو بإكليلين من غار

في القلب من ذكراه لفحة دمعة…..كسحابة تهمى شميم عرار

الى ان يقول:

عفوا ابا وصفي يطول حديثنا

عنهم وعنك

مقاتلا ومهادنا

ومكعوكا متقهويا ومقهويا