
يقلقني في كثير من الاحاديث العابرة حول الاوضاع المعيشية المتردية للغالبية العظمى، حالة الخوف التي يعبر عنها المتحدث، الخوف من السلطة والاقتناع بعدم القدرة على فعل اي شي لتغيير هذا الواقع البائس والركون الى القدر والغيب لتغيير هذا الاوضاع، بما يعني ان حالة الخوف لم تعد حالة شعورية فردية، بل هي حالة جمعيّة تقف خلفها صناعة متكاملة الاركان، هي صناعة الخوف ….
السؤال الاشكالي في هذه المسألة هو سؤال لماذا الخوف اساسا، ومن هي القوة المؤسسة لهذه الصناعة والمستفيدة منها، هل هي الدين ، او الحاجة الاقتصادية، او السلطة السياسية او…. او…. او…
بداية نقبل ان الخوف واحد من اهم مشاعر الانسان، تطورت اشكاله واسبابه ونتائجه بتطور البشرية والحضارة، حتى وصلنا الى إشكاليّة ان الانسان يخاف الحياة اكثر من خوفه من الموت، فبغض النظر عن طبيعة المعتقد لاي شخص، يشكل الموت حقيقة اكيده سوف يواجهها شاء ام ابي، ولانها مؤجلة لا يهتم بالتفكير فيها، بقدر تفكيره في تنظيم حياته، ( بالطبع الى ان يتمكن العلم من كشف اسرار الموت والتغلب عليه) والسؤال كيف ولماذا يخاف الانسان من الحياة، ببساطة لانها فعل ومسؤولية يترتب عليها ابعاد كثيرة ، وهنا تاتي صناعة الخوف لتعمل على تنميط الكائن ومنعه من تشكيل حياته حسب إعتباراته وحاجاته، لتتشكل حسب متطلبات المؤسسة الرسمية، التي تحتكر الى جانب العنف والموارد ، تحتكر صناعة الخوف، وهي بذك تعمل دائما على تكريس المنظومات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية لصالح خدمتها وبقائها وعلى هذا الاساس تبني علاقتها مع المؤسسات الاكثر اهمية في اي مجتمع، الاسرة، الاقتصاد، الدين
بداية تتبنى السلطة الكليّة (الديكتاتورية في الغالب) مؤسسة الاسرة الابويّة وتحميها، وتمنع ما استطاعت تطويرها، ففي هذه المؤسسة يتشكل الكائن، فإما ان يتكون ككائن حر، او كائن خائف، ولن اضيف جديدا أذا قلت ان ديناميكية الاسرة الابوية تقوم على تعزيز ميكانزمات الخوف لدى الافراد حتى يقبلوا مبدأ التراتبية والثنائيات، وهنا تُفّعل السلطة وسائل الضبط الاجتماعي من عادات وتقاليد وقيم وقوانين نظم تعليمية، وتحميها لتشكل حاجزا يمنع اي تطور للاسرة والفرد
ثم تتبنى السلطة منظومات الضبط الاقتصادي باحتكارها للموارد وتعزيز البنى الاقتصادية الطبقية لصالح بقاء الاغلبية من الناس بحالة حاجة، والحاجة اذا ارتبطت بشعور عميق بالخوف، ستؤدي الى ارتباط الاغلبية بمالك الموارد والمتحكم بتوزيعها ورضوخها لمصالحه، سواء كانت هذه الموارد محتكرة من قبل السلطة او حلفائها، بصيغة احتكار مداخل توليد الدخل في القطاعين العام والخاص الزراعي والصناعي والخدمي، المسيطر عليها…
واخيرا توظف السلطة المؤسسة الدينية لخدمة مصالحها، وهنا نلاحظ ان السلطة التي تتعامل مع المؤسسة الدينية كفكر وافراد ، تتحكم وعلى نحو فريد بانتشار وانحسار هذه المؤسسة حسب متطلبات الحاجة اليها، وبذلك لم يعد الدين يقتصر على فتاوي شيوخ السلطان، بل تطور ليلبس لبوس البنى الاكثر تقدما كالمنظمات والاحزاب، ( تنظيمات الاسلام السياسي ) التي تتحالف مع مؤسسات السلطة، حسب احتياجات كل طرف الى الآخر، مستفيدة من سيادة العقل المغيب بفعل الخوف، ولخدمة السلطة لا تقتصر المسالة على طاعة ولي الامر والخوف من الخروج عن إرادته، بل تمتد لتشمل كافة مناحي الحياة التي تتحكم بها منظومة المقبول والمرفوض دينيا، وبمعنى اخر الحلال والحرام …. الذي يتعزز في سياق العقاب والثواب، في اطار من المقدس الذي يعمل على تعميق حالة الخوف، وبالتالي تعطيل العقل، لان الخروج على المنظومة لا يعني بالضرورة عقابا دنيويا فقط، بل عقابا دنيويا و اخرويا تتفنن النصوص في تصويره، ( عذاب القبر والاوصاف المرعبة لجهنم) فيتعطل العقل كليّا ويسطير التفكير الغيبي الاسطوري الرافض للعلم وقيم التقدم….
وهكذا تحكم السلطة سيطرتها بعد ان ضمنت تفعيل كل المؤسسات لصالح بقائها وخدمة مصالحها بفعل الخوف الذي تخلقة كل واحدة على حده وبالتكامل، والسؤال، اذا اردنا الخروج من هذه الدائرة من اين نبدا؟ من السلطة بهياكلها المعروفة ؟او من المؤسسة الاجتماعية الاولى – الاسرة-؟ او المؤسسة الاقتصادية وصراع الطبقات؟ او من المؤسسة الدينية؟ او كل ذلك وبالتوازي، للقضاء على صناعة الخوف والوصول الى صناعة الكائن/ المجتمع العاقل العلمي المفكر، القادر على ادارة حياته كيفما يريد، وبما يحقق مصالحة